فصل: قال دروزة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال دروزة:

سورة الإخلاص:
في السورة تقرير العقيدة الإسلامية بذات اللّه بأسلوب حاسم وقطعي ووجيز.
وأسلوبها عام التوجيه والتقرير. وهناك روايات تذكر أنها مدنية وأخرى تذكر أنها مكية. والمصحف الذي اعتمدنا عليه يروي مكيتها، كما أنها مكية في التراتيب الكاملة المروية الأخرى. ومن أسمائها {الصمد} وبذلك يتم الاتساق في تسميتها مع أسلوب تسمية السورة بصورة عامة.
ولقد روى البخاري وأبو داود عن أبي سعيد: «أن رجلا سمع رجلا يقرأ قل هو اللّه أحد يردّدها فلما أصبح جاء إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له وكأنّ الرجل يتقالها فقال رسول اللّه والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن».
وروى الشيخان والترمذي عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أ يعجز أحدكم أن يقرأ في ليلة ثلث القرآن. قالوا وكيف يقرأ في ليلة ثلث القرآن قال قل هو اللّه أحد تعدل ثلث القرآن»..
وحديث رواه مسلم والترمذي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «احشدوا فإني سأقرأ عليكم ثلث القرآن فحشد من حشد فخرج نبيّ اللّه فقرأ قل هو اللّه أحد ثم دخل فقال بعضنا لبعض إني أرى هذا خبرا جاءه من السماء فذاك الذي أدخله ثم خرج نبيّ اللّه فقال إني قلت لكم سأقرأ عليكم ثلث القرآن ألا إنها تعدل ثلث القرآن».
وروى مسلم حديثا جاء فيه: «بعث النبي صلى الله عليه وسلم رجلا على سريّة فكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم بقل هو اللّه أحد فلما رجعوا ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال سلوه لأيّ شيء يصنع ذلك فسألوه فقال لأنها صفة الرحمن فأنا أحبّ أن أقرأ بها فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أخبروه أنّ اللّه يحبّه».
وروى الترمذي عن أنس قال: «كان رجل من الأنصار يؤمّهم في مسجد قباء فكان كلّما أمّهم في الصلاة قرأ بقل هو اللّه أحد ثم يقرأ سورة أخرى معها وكان يصنع ذلك في كلّ ركعة فكلّمه أصحابه إمّا أن تقرأ بها وإمّا أن تدعها وتقرأ بسورة أخرى فقال ما أنا بتاركها، إن أحببتم أن أؤمّكم بها فعلت وإن كرهتم تركت، وكانوا يرونه أفضلهم فلما أتاهم النبي صلى الله عليه وسلم أخبروه الخبر فقال يا فلان ما يمنعك مما يأمرك به أصحابك وما يحملك أن تقرأ هذه السورة في كل ركعة؟ فقال: يا رسول اللّه إني أحبّها. فقال: إن حبّها أدخلك الجنة».
وروى الترمذي عن أبي هريرة قال: «أقبلت مع النبي صلى الله عليه وسلم فسمع رجلا يقرأ قل هو اللّه أحد اللّه الصمد فقال رسول اللّه وجبت قلت وما وجبت قال الجنة».
وروى الترمذي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قرأ كلّ يوم مائتي مرة قل هو اللّه أحد محي عنه ذنوب خمسين سنة إلّا أن يكون عليه دين».
وروى الإمام أحمد عن أنس بسند حسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قرأ قل هو اللّه أحد عشر مرات بنى اللّه له بيتا في الجنة».
وروى النسائي عن معاذ بن عبد اللّه عن أبيه قال: «أصابنا عطش وظلمة فانتظرنا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ليصلّي بنا فخرج فقال قل قلت ما أقول قال قل هو اللّه أحد والمعوّذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاثا يكفك كلّ شي ء».
حيث ينطوي في الأحاديث تنويه بفضل هذه السورة وحثّ على قراءتها من حكمتها المتبادرة ما انطوت فيه من إعلان الإيمان بوحدة اللّه التامة المنزّهة عن كل شائبة.
بسم الله الرحمن الرحيم
[سورة الإخلاص (112): الآيات 1- 4]
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أحد (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولد (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أحد (4)}
(1) {الصم} د: أوجه الأقوال في معنى الكلمة أنه السيد المصمود إليه في الحوائج الغني عن غيره.
(2) {كفوا} مماثل وندّ.
في الآيات أمر رباني للنبي صلى الله عليه وسلم بأن يعلن صفات اللّه عز وجل وهي أنه وأحد أحد، المصمود إليه في الحاجات، المستغنى عن غيره. لم يلد ولم يولد وليس له مماثل ولا ندّ.
وقد روي أن بعض العرب سألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن ينسب لهم ربّه فأوحى اللّه بهذه السورة كما روي أن السؤال من اليهود.
وهناك حديثان صحيحان في صدد السورة ومعناها ونزولها وأحد رواه الترمذي عن أبيّ بن كعب قال: «إن المشركين قالوا لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم انسب لنا ربّك؟ فأنزل الله: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أحد اللَّهُ الصَّمَدُ} فالصمد الذي {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولد} لأنه ليس شيء يولد إلّا سيموت ولا شيء يموت إلّا سيورث واللّه عز وجل لا يموت ولا يورث {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أحد} قال لم يكن له شبيه ولا عدل وليس كمثله شيء»..
وثان رواه البخاري عن أبي هريرة قال: «قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: قال اللّه تعالى كذّبني ابن آدم ولم يكن له ذلك وشتمني ولم يكن له ذلك فأما تكذيبه إياي أن يقول إني لن أعيده كما بدأته وأما شتمه إياي أن يقول اتخذ اللّه ولدا وأنا الصمد الذي لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفوا أحد».
تعليق على مدى تقرير وحدة اللّه في سورة الإخلاص:
ومهما يكن من أمر الرواية فالسورة قد استهدفت تقرير عقيدة الوحدة الإلهية ونفي كل ما يتناقض معها من العقائد الموجودة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وما تنطوي عليه هذه العقائد من المشابهة والمماثلة والتعدد والشركة والوالدية والولدية بأسلوب حاسم وجيز.
ففي إعلان الوحدة الإلهية ردّ على من يجعل اللّه أكثر من وأحد، سواء أكان هذا التعدد مؤولا مرده إلى الوحدة كما هو في العقيدة النصرانية أم غير مؤول كما هو في عقيدة المشركين.
وفي إعلان أن اللّه هو المتّجه المفرد والغني المطلق ردّ على ما كان من اتجاه بعض الفئات إلى غيره أو إليه وإلى غيره معا إشراكا أو استشفاعا، ورد على ما كان من اعتقاد بعض الفئات من حاجة اللّه إلى المساعدين في تدبير ملكوت السموات والأرض، ومن أثر هؤلاء المساعدين في الكون إيجابا وسلبا ونفعا وضرّا.
وفي إعلان نفي الولد عن اللّه رد على من كان يعتقد أن للّه ولدا، سواء أكان ذلك من مشركي العرب الذين كانوا يعتقدون أن الملائكة بنات اللّه أم النصارى الذين كانوا يعتقدون أن المسيح ابن اللّه أم اليهود الذين كانوا يعتقدون أن العزير ابن اللّه كما جاء في آية سورة التوبة [30].
وفي إعلان نفي تولد اللّه من والد ردّ على من كان يتخذ الملائكة أو المسيح آلهة ويعتقدون أنهم أولاد اللّه.
وفي إعلان نفي المماثلة ردّ على من كان يتخذ للّه أندادا ويجعل له شركاء في الخلق والاتجاه والعبادة وارتجاء الخير واتقاء الشر، كما حكت ذلك آيات عديدة مثل آية سورة البقرة هذه: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ} [165] وآية سورة الرعد هذه: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحد الْقَهَّارُ (16)}.
والسورة في حسمها وإيجازها قطعية المعنى التقريري، سهلة الحفظ والإيراد على لسان كل مؤمن، وعنوان الإخلاص في عقيدة اللّه ووحدته وتفرده بالربوبية وشمول قدرته وتصرفه واستغنائه عن كل معين، واحتياج جميع الكائنات إليه.
وهي من هذا الاعتبار الصورة الواضحة القطعية المحكمة المجردة من كل الملابسات والشبهات للعقيدة الإسلامية بذات اللّه بحيث تكون مردّ كل ما يمكن أن يكون من الألفاظ والآيات المتشابهة التي قد تكون وردت في القرآن على سبيل التقريب والتمثيل في نطاق اللغة البشرية ومفاهيمها.
وليس من ريب في أن من شأن الإخلاص في هذه العقيدة على هذا الوجه الحاسم المحكم أن يحرر النفس الإنسانية من الشبهات والارتكاسات والتأويلات والحيرة والخضوع لغير اللّه من القوى والمظاهر وأن يجعل اتجاهها للّه الواحد الأحد الشامل القدرة المنزّه عن كل ما يتناقض مع هذا الشمول والتفرد، كما أن من شأنه أن يبعث فيها الطمأنينة والقوة والمناعة من التأثر بأي مؤثر ومن ارتجاء الخير واتقاء الشر من أي مصدر، ومن الخضوع لأي قوة والرهبة من أحد غيره والأمل في سواه.
ويلحظ أن السورة قد اقتصرت كما قلنا على تقرير عقيدة الوحدة الإلهية ونفي كلّ ما يتناقض معها حيث يبدو أن حكمة التنزيل اقتضت ذلك في هذه السورة إزاء ما كان سائدا في العالم من نقائض متنوعة المدى لهذه الوحدة المستغنية عن كل شيء والتي هي مرجع ومصدر كل شي ء. ولقد وصف اللّه عز وجل في السور السابقة واللاحقة برب العالمين الرحمن الرحيم المالك لكل شيء والعالم بكل شيء والمحيط بكل شيء والقادر على كل شيء والمتصرف في كل شيء الذي لا تدركه الأبصار والذي ليس كمثله شيء المتصف بجميع صفات الكمال والمنزّه عن كل شائبة ونقص. وبذلك تكتمل الصورة القرآنية للّه عز وجل في العقيدة الإسلامية كمالا لا يماثله بل ولا يدانيه شيء من الصور الإلهية في مختلف الديانات الأخرى.
ومعظم روايات النزول وتراتيب السور تجعل هذه السورة بعد سورتي الناس والفلق مما يسوغ القول أن السور الثلاث نزلت في ظرف وأحد وأوقات متقاربة أو متعاقبة. ولهذا دلالة مهمة من حيث توكيد السور الثلاث عدم وجود غير قوة اللّه الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد قادرة على النفع والضرر والمنع والإعطاء. ومن حيث إيجاب الاستعاذة به وحده وعدم خشية أحد غيره وعدم الاتجاه إلى غيره في أي مطلب وحاجة. اهـ.

.قال عبد الكريم الخطيب:

(112) سورة الإخلاص:
وتسمى سورة التوحيد.
نزولها: نزلت بمكة بعد الناس.
عدد آياتها: أربع آيات.
عدد كلماتها: إحدى عشرة كلمة.
عدد حروفها: سبعة وأربعون حرفا.
مناسبتها لما قبلها:
كانت عداوة أبى لهب وزوجه للنبىّ، ممثلة في عداوتهما لدعوة التوحيد التي كانت عنوان رسالة النبىّ، صلوات اللّه وسلامه عليه، وكلمته الأولى إلى قومه..
وقد ساقت هذه الكلمة أبا لهب وزوجه، ومن تبعهما في جحود هذه الكلمة، والتنكر لها- ساقتهم إلى هذا البلاء الذي لقياه في الدنيا، وإلى هذا العذاب الأليم في جهنم المرصودة لهما في الآخرة..
وسورة (الإخلاص) وما تحمل من إقرار بإخلاص وحدانية اللّه من كل شرك- هي مركب النجاة لمن أراد أن ينجو بنفسه من هذا البلاء، وأن يخرج من تلك السفينة الغارقة التي ركبها أبو لهب وزوجه، ومن اتخذ سبيله معهما من مشركى قريش ومشركاتها.. وها هوذ النبي الكريم، يؤذّن في القوم، بسورة الإخلاص، ومركب الخلاص.
بسم الله الرحمن الرحيم
الآيات: (1- 4) [سورة الإخلاص (112): الآيات 1- 4]
بسم الله الرحمن الرحيم
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أحد (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولد (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أحد (4)}
التفسير:
قوله تعالى: {قُلْ} أمر من اللّه سبحانه وتعالى للنبى بالقول، قولا مطلقا..
وماذا يقول؟.
يقول {هُوَ}! ومن هو هذا الطلق أيضا، الذي لا تحدّه حدود، ولا تقيده قيود؟
{اللَّهُ أحد}!.
ولفظ الجلالة- {اللّه}- من الألوهة، وهو اسم الذات، الجامع لأسماء اللّه تعالى وصفاته كلّها..
و{أحد} صفة للّه سبحانه، بمعنى الأحد معرفا بأل، لأنه في مقابل:
{اللَّهُ الصَّمَدُ} فأحد، وإن كان نكرة لفظا، هو معرفة دلالة ومعنى، لأنه إذ قيل {أحد} لم ينصرف الذهن إلى غيره، فإذا قيل {أحد} كان معناه الأحد، الذي ليس وراءه ثان أو ثالث، أو رابع..
فاستغنى بهذا عن التعريف، لأن التعريف إنما يراد به الدلالة على المعرّف دون أفراد جنسه المشاركة له، فإذا انحصر الجنس كله في فرد وأحد، لم يكن ثمة داعية إلى تعريفه، إذ كان أعرف من أن يعرّف.
فاللّه، هو الأحد، الذي لا يشاركه في هذا الوصف موصوف.. فالأحدية هي الصفة التي لا يشارك اللّه سبحانه فيها أحد، كما أن {اللّه} هو اسم الذات الذي لا يسمّى به أحد سو اه.
والأحديّة هي الصفة التي تناسب الألوهة، وهى الصفة التي تناسب كل صفة من صفات اللّه سبحانه..
فاللّه- سبحانه- وأحد في ذاته، وأحد في صفاته..
فالكريم، هو اللّه وحده، والرحيم هو اللّه وحده، والرحمن هو اللّه وحده، والغفور هو اللّه وحده، والشّكور هو اللّه وحده، والعليم هو اللّه وحده.. وهكذا، كل صفة من صفات الكمال، قد تفردّ بها اللّه- سبحانه- وحده، لا ينازعه فيها أحد..
وفى وصف اللّه سبحانه وتعالى بأحد، دون وأحد، تحقيق لمعنى التفرّد، لأن الأحد لا يتعدد، على حين أن الواحد يتعدد، باثنين، وثلاثة، وأربعة، إلى ما لا نهاية من الأعداد..
يقول الإمام (الطبرسي) في تفسيره مجمع البيان في تفسير القرآن:
قيل إنما قال: {أحد} ولم يقل (واحد) لأن الواحد يدخل في الحساب، ويضمّ إليه آخر.. وأما الأحد فهو الذي لا يتجزأ، ولا ينقسم في ذاته، ولا في معنى صفاته، ويجوز أن يجعل للوأحد ثان، ولا يجوز أن يجعل للأحد ثان..
لأن الأحد يستوعب جنسه، بخلاف الواحد.. ألا ترى أنك لو قلت فلان لا يقاومه وأحد، جاز أن يقاومه اثنان، وإذا قلت: لا يقاومه أحد لم يجز أن يقاومه اثنان، ولا أكثر.. فهو أبلغ..
ويقول الطبرسي:
قال الإمام الباقر: {اللّه}: معناه المعبود الذي أله الخلق عن إدراك ماهيته، والإحاطة بكيفيته، وتقول العرب: أله الرجل إذا تحيّر في الشيء فلم يحط به علما، ودله، إذا فزع.. فمعنى قوله: {اللّه أحد} أي المعبود الذي يأله الخلق عن إدراكه، والإحاطة بكيفيته.. وهو فرد بألوهيته، متعال عن صفات خلقه..
وقوله تعالى: {اللَّهُ الصَّمَدُ}..
اختلف في معنى الصمد، وكل ما قيل في معناه يرجع إلى تمجيد اللّه سبحانه وتعظيمه، وتفرده بالخلق والأمر..
وفى تعريف طرفى الجملة، إفادة لمعنى الحصر، أي حصر الصمدية في اللّه سبحانه وتعالى وحده..
قيل إن أهل البصرة، كتبوا إلى الإمام الحسين، رضي الله عنه يسألون عن معنى {الصمد}، فكتب إليهم بقول:
أما بعد، فلا تخوضوا في القرآن، ولا تجادلوا فيه، ولا تكلّموا فيه بغير علم، فقد سمعت جدّى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: «من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار» وإن اللّه قد فسر سبحانه الصمد، فقال: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولد وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أحد}..
وقوله تعالى: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولد}.
أي أنه سبحانه منزه عن أن يكون له ولد، لأن الولد يدلّ على والد، والوالد هو مولود لوالد. وهكذا في سلسلة لا تنتهى. ثم إن الولد يماثل الوالد، وقد يفوقه، ويربى عليه، في قوته، وعلمه..
يقول الإمام الطبرسي في معنى {لم يلد}: أي لم يخرج منه شيء كثيف، كالولد، ولا سائر الأشياء الكثيفة التي تخرج من المخلوقين، ولا شيء لطيف كالنّفس، ولا تنبعث منه البدوات، كالسّنة والنوم، والخطرة والغم، والحزن والبهجة، والضحك والبكاء، والخوف والرجاء، والرغبة والسآمة، والجوع والشّبع، تعالى أن يخرج منه شيء، وأن يتولد منه شيء.. كثيف أو لطيف.
وفى قوله تعالى: {وَلَمْ يُولد} يقول الطبرسي أيضا: أي ولم يتولد هو من شيء، ولم يخرج من شيء، كما تخرج الأشياء الكثيفة من عناصرها، كالشيء من الشيء، والدابة، والنبات من النبات، والماء من الينابيع، والثمار من الأشجار.. ولا كما تخرج الأشياء اللطيفة من مراكزها، كالبصر من العين، والسمع من الأذن، والشم من الأنف، والذوق من الفم، والكلام من اللسان، والمعرفة والتمييز من القلب، والنار من الحجر.. لا، بل هو {اللّه الصمد} الذي لا من شيء، ولا في شيء، ولا على شيء.. مبدع الأشياء وخالقها، ومنشئ الأشياء بقدرته.. فذلكم اللّه الصمد الذي لم يلد ولم يولد، {عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ..}.
ويروى أن الإمام عليا- كرم اللّه وجهه- سئل عن تفسير هذه السورة، فقال: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أحد} بلا تأويل عدد.. {الصمد} بلا تبعيض بدد..
{لم يلد} فيكون موروثا هالكا {ولم يولد} فيكون إلها مشاركا {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أحد} من خلقه.
وقوله تعالى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أحد}. كفء الشيء: عديله، ومماثله، قيمة، ووزنا، وقدرا.
فاللّه سبحانه وتعالى، متعال عن الشبيه، والنظير، والكفء والمثيل.. وهذا ما ينفى عن اللّه سبحانه وتعالى أن يلد، وأن يولد، لأن التوالد إنما يكون بين الأشباه والنظائر، وإذ قد انتفى عن أن يكون للّه سبحانه شبيه أو نظير، فقد انتفى عنه أن يكون والدا، وأن يكون مولودا.. تعالى اللّه عن ذلك علوا كبيرا. اهـ.